ترامب يربك صناعة الدواء العالمية: خفض تاريخي للأسعار أم تهديد للابتكار؟ -- May 22 , 2025 4
في خطوة مفاجئة تحمل في طياتها أبعاداً اقتصادية وصحية واسعة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن مبادرة تهدف إلى خفض أسعار الأدوية في الولايات المتحدة بنسب غير مسبوقة تتراوح بين 30% و80%، ما أثار جدلاً واسعاً على المستويين المحلي والدولي.
وبينما اعتبرها مؤيدوه انتصاراً للمستهلك الأميركي، رأى منتقدون إنها تمثل تهديداً مباشراً لقطاع الأدوية العالمي، الذي يعتمد على هوامش أرباح مرتفعة لتمويل الأبحاث والابتكار الطبي.
وفي ظل هذا القرار الذي أربك الأسواق وأسهُم كبرى الشركات، تُطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الصناعة الدوائية، والتوازن الممكن بين حماية حق المواطن في الدواء، وضمان استمرار التطوير العلمي في هذا القطاع الحيوي.
وقد وصف ترامب هذا القرار بأنه "أحد أهم الأوامر التنفيذية في تاريخ أميركا"، مؤكداً أنه يهدف إلى تحقيق العدالة للمواطن الأميركي ومساواة الأسعار مع الدول الأخرى.
مهلة للشركات
واستكمالاً لذلك، منح الرئيس الأميركي شركات الأدوية مهلة 30 يوماً لخفض أسعار بيع أدويتها داخل الولايات المتحدة، مهدداً بفرض حدود جديدة على ما تدفعه الحكومة لهذه الشركات في حال عدم امتثالها.
وتعتمد هذه الخطوة على ربط أسعار الأدوية في السوق الأميركي بأدنى الأسعار العالمية، في محاولة لكسر نمط التسعير المرتفع المعتمد منذ سنوات.
تداعيات حادة في الأسواق العالمية
هذا وأحدث هذا القرار صدمة في أسواق الأدوية العالمية، إذ شهدت أسهم كبرى شركات الأدوية تراجعاً حاداً فور الإعلان، نتيجة المخاوف من تراجع الأرباح وتغيير نموذج التسعير.
كما واجهت المبادرة انتقادات حادة من داخل قطاع صناعة الأدوية، الذي يعتمد على هوامش ربح مرتفعة لتمويل الأبحاث والتطوير، حيث ترى شركات الأدوية أن أي تهديد لأرباحها قد يُقلص من قدرتها على الاستثمار في البحث العلمي، ما ينعكس سلباً على الابتكار وإنتاج أدوية جديدة.
أسباب القرار
وفي تعليق خاص لـ"النهار"، تقول الدكتورة حنان رمسيس، الخبيرة الاقتصادية، أن هذا القرار يأتي في وقت يعاني فيه ترامب من تراجع شعبيته، ما استدعى اتخاذ خطوة جريئة تعيد له الزخم الشعبي، فكان خيار خفض أسعار الأدوية وسيلة مباشرة لتحقيق ذلك.
وتضيف أن هذا القرار سيؤثر سلباً على شركات الأدوية، إذ سيزيد من خسائرها، إلا أن ترامب يرى أن هذه الشركات تحقق أرباحاً خيالية رغم انخفاض تكاليف التشغيل، وبالتالي فإن الخفض لن يمس جوهر أرباحها بشكل كبير.
كما تشير إلى أن ترامب يعتبر المواطن الأميركي أولوية قصوى، ولذلك اتجه إلى هذا القرار الذي من شأنه تخفيف العبء عن كاهل المستهلك، خاصة مع ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة الرسوم الجمركية التي أثرت على أسعار المنتجات المحلية.
فرص وتحديات أمام الصناعة الأميركية
وتواصل الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس حديثها، لتؤكد أن لدى شركات الأدوية الأميركية فرصة للتكيف مع هذه السياسة الجديدة، عبر توطين إنتاج المواد الخام وتوسيع التصنيع المحلي، ما يسهم في خفض التكاليف.
كما أن السوق الأميركية، بما تتميز به من حجم استهلاك مرتفع، توفر فرصاً لتعويض هذه الخسائر من خلال زيادة المبيعات بعد إزالة العوائق السعرية التي كانت تحد من استخدام الأدوية، مع فرص إنعكاس إيجابي على نظام التأمين الصحي في الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن تُخفف من الأعباء المالية على موازنة الدولة، وتُحرر موارد جديدة يمكن توجيهها إلى مشاريع تنموية أخرى، على الرغم من ردة فعل الأسواق السريعة والسلبية، والتي تمثلت في هبوط جماعي لأسهم شركات الأدوية، بفعل التخوف من تراجع العائدات المستقبلية.
بين الإنصاف والمخاطر
هذا وتُعد هذه الخطوة من أكثر السياسات الاقتصادية إثارة للانقسام في عهد ترامب وفقاً لآراء العديد من الخبراء، إذ ينظر إليها البعض كإجراء إنساني يعزز العدالة الاجتماعية، بينما يراها آخرون تهديداً مباشراً لصناعة دوائية تعتمد في بنيتها على تحقيق أرباح كبيرة لتمويل الابتكار والتوسع العالمي.
تداعيات سلبية
وفي السياق نفسه يؤكد الخبير الاقتصادي ومدير "مركز رؤية للدراسات" بلال شعيب، في تصريحات خاصة لـ"النهار"، أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن عزمه خفض أسعار الأدوية في الولايات المتحدة بنسب غير مسبوقة تتراوح بين 30% و80%، سيترك انعكاسات سلبية على صناعة الدواء على مستوى العالم.
ويضيف أن أسعار الأدوية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً شأنها شأن باقي السلع، نتيجة التضخم العالمي، إلا أن خطة ترامب لم تأخذ في الاعتبار الزيادة الكبيرة في تكاليف الإنتاج، وهو ما يعكس تجاهلاً للتطورات الاقتصادية العالمية، لاسيما في ظل معاناة الأسواق من نقص في السلع الأساسية، وفي مقدمتها الأدوية.
ويشير إلى أن الطلب العالمي على تعزيز إنتاج الأدوية يتزايد، في وقت بدأت فيه بوادر ركود اقتصادي تلوح في الأفق، وهو ما يستدعي سياسات توازن بين ضبط الأسعار وتحفيز الإنتاج.
ويؤكد شعيب أن القرار قد يؤثر سلباً حتى على توافر الأدوية داخل السوق الأميركية نفسها، التي تعاني من خلل هيكلي في ميزانها التجاري، يشمل أيضاً بند الإنفاق على الأدوية، لذلك من الضروري توجيه الاهتمام نحو دعم البحث العلمي، واتخاذ قرارات استراتيجية تتعلق بتنمية الصناعة الدوائية أولاً، قبل التركيز على حسابات الربحية.
إسلام محمد- النهار